سورة الروم - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}
لما قال حنيفاً أي مائلاً عن غيره قال: {مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ} أي مقبلين عليه، والخطاب في قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} مع النبي والمراد جميع المؤمنين، وقوله: {واتقوه} يعني إذا أقبلتم عليه وتركتم الدنيا فلا تأمنوا فتتركوا عبادته بل خافوه وداوموا على العبادة وأقيموا الصلاة أي كونوا عابدين عند حصول القربة كما قلتم قبل ذلك، ثم إنه تعالى قال: {وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين} قال المفسرون يعني ولا تشركوا بعد الإيمان أي ولا تقصدوا بذلك غير الله، وهاهنا وجه آخر وهو أن الله بقوله: {مُّنِيبِينَ} أثبت التوحيد الذي هو مخرج عن الإشراك الظاهر وبقوله: {وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين} أراد إخراج العبد عن الشرك الخفي أي لا تقصدوا بعملكم إلا وجه الله ولا تطلبوا به إلا رضاء الله فإن الدنيا والآخرة تحصيل وإن لم تطلبوها إذا حصل رضا الله وعلى هذا فقوله: {مِنَ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً} يعني لم يجتمعوا على الإسلام، وذهب كل أحد إلى مذهب، ويحتمل أن يقال وكانوا شيعاً يعني بعضهم عبد الله للدنيا وبعضهم للجنة وبعضهم للخلاص من النار، وكل واحد بما في نظره فرح، وأما المخلص فلا يفرح بما يكون لديه، وإنما يكون فرحه بأن يحصل عند الله ويقف بين يديه وذلك لأن كل ما لدينا نافد لقوله تعالى: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} [النحل: 96] فلا مطلوب لكم فيما لديكم حتى تفرحوا به وإنما المطلوب ما لدى الله وبه الفرح كما قال تعالى: {بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ} [آل عمران: 169- 170] جعلهم فرحين بكونهم عند ربهم ويكون ما أوتوا من فضله الذي لا نفاد له، ولذلك قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} [يونس: 58] لا بما عندهم فإن كل ما عند العبد فهو نافد، أما في الدنيا فظاهر، وأما في الآخرة فلأن ما وصل إلى العبد من الالتذاذ بالمأكول والمشروب فهو يزول، ولكن الله يجدد له مثله إلى الأبد من فضله الذي لا نفاد له فالذي لا نفاد له هو فضله.


{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)}
لما بين التوحيد بالدليل وبالمثل، بين أن لهم حالة يعرفون بها، وإن كانوا ينكرونها في وقت وهي حالة الشدة، فإن عند انقطاع رجائه عن الكل يرجع إلى الله، ويجد نفسه محتاجة إلى شيء ليس كهذه الأشياء طالبة به النجاة {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ} يعني إذا خلصناه يشرك بربه ويقول تخلصت بسبب اتصال الكوكب الفلاني بفلان، وبسبب الصنم الفلاني، لا، بل ينبغي أن لا يعتقد أنه تخلص بسبب فلان إذا كان ظاهراً فإنه شرك خفي، مثاله رجل في بحر أدركه الغرق فيهيئ له لوحاً يسوقه إليه ريح فيتعلق به وينجو، فيقول تخلصت بلوح، أو رجل أقبل عليه سبع فيرسل الله إليه رجلاً فيعينه فيقول خلصني زيد، فهذا إذا كان عن اعتقاد فهو شرك خفي، وإن كان بمعنى أن الله خلصني على يد زيد فهو أخفى، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله تعالى: {أَذَاقَهُمْ} فيه لطيفة وذلك لأن الذوق يقال في القليل فإن العرف (أن) من أكل مأكولاً كثيراً لا يقول ذقت، ويقال في النفي ما ذقت في بيته طعاماً نفياً للقليل ليلزم نفي الكثير بالأولى، ثم إن تلك الرحمة لما كانت خالية منقطعة ولم تكن مستمرة في الآخرة إذ لهم في الآخرة عذاب قال أذاقهم ولهذا قال في العذاب: {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} [القمر: 48] {ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 55] {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} [الدخان: 49] لأن عذاب الله الواصل إلى العبد بالنسبة إلى الرحمة الواصلة إلى عبيد آخرين في غاية القلة.
المسألة الثانية: قوله تعالى: {مِنْهُ} أي من الضر في هذا التخصيص ما ذكرناه من الفائدة وهي أن الرحمة غير مطلقة لهم إنما هي عن ذلك الضر وحده، وأما الضر المؤخر فلا يذوقون منه رحمة.
المسألة الثالثة: قال هاهنا {إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ} وقال في العنكبوت: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65] ولم يقل فريق وذلك لأن المذكور هناك ضر معين، وهو ما يكون من هول البحر والمتخلص منه بالنسبة إلى الخلق قليل، والذي لا يشرك به بعد الخلاص فرقة منهم في غاية القلة فلم يجعل المشركين فريقاً لقلة من خرج من المشركين، وأما المذكور هاهنا الضر مطلقاً فيتناول ضر البر والبحر والأمراض والأهون والمتخلص من أنواع الضر خلق كثير بل جميع الناس يكونون قد وقعوا في ضر ما وتخلصوا منه، والذي لا يبقى بعد الخلاص مشركاً من جميع الأنواع إذا جمع فهو خلق عظيم، وهو جميع المسلمين فإنهم تخلصوا من ضر ولم يبقوا مشركين، وأما المسلمون فلم يتخلصوا من ضر البحر بأجمعهم، فلما كان الناجي من الضر من المؤمنين جمعاً كثيراً، جعل الباقي فريقاً.


{لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35)}
قوله تعالى: {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءاتيناهم فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} قد تقدم تفسيره في العنكبوت بقي بيان فائدة الخطاب هاهنا في قوله: {فَتَمَتَّعُواْ} وعدمه هناك في قوله: {وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ} فنقول لما كان الضر المذكور هناك ضراً واحداً جاز أن لا يكون في ذلك الموضع من المخلصين من ذلك الضر أحد، فلم يخاطب ولما كان المذكور هاهنا مطلق الضر ولا يخلو موضع من المخلصين عن الضر، فالحاضر يصح خطابه بأنه منهم فخاطب.
ثم قال تعالى: {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سلطانا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ} لما سبق قوله تعالى: {بَلِ اتبع الذين ظَلَمُواْ أَهْوَاءهُمْ} [الروم: 29] أي المشركون يقولون ما لا علم لهم به بل هم عالمون بخلافه فإنهم وقت الضر يرجعون إلى الله حقق ذلك بالاستفهام بمعنى الإنكار، أي ما أنزلنا بما يقولون سلطاناً، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أم للاستفهام ولا يقع إلا متوسطاً، كما قال قائلهم:
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل *** وبين النقا آأنت أم أم سالم
فما الاستفهام الذي قبله؟ فنقول تقديره إذا ظهرت هذه الحجج على عنادهم فماذا نقول، أهم يتبعون الأهواء من غير علم؟ أم لهم دليل على ما يقولون؟ وليس الثاني فيتعين الأول.
المسألة الثانية: قوله تعالى: {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} مجاز كما يقال إن كتابه لينطق بكذا، وفيه معنى لطيف وهو أن المتكلم من غير دليل كأنه لا كلام له، لأن الكلام هو المسموع وما لا يقبل فكأنه لم يسمع فكأن المتكلم لم يتكلم به، وما لا دليل عليه لا يقبل، فإذا جاز سلب الكلام عن المتكلم عند عدم الدليل وحسن جاز إثبات التكلم للدليل وحسن.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11